مشاريع هندسية رياضية ضخمة للتباهي فقط … الاستدامة
يجب أن ندرك أن المشاريع الهندسية الضخمة لها آثار كبيرة وواضحة على مستوى الدولة. وآثارها تقع على جوانب إجتماعية وإنسانية وتعليمية وترفيهية.
ما هو الآثر الذي يتركه مشروع هندسي ؟
سؤال لم يعد بالسؤال السهل كما كان. أصبحت إجابة هذا السؤال علم بحد ذاته
ما مدى استفادة الناس أو المدينة أو الدولة من إنشاء هذه المشاريع الضخمة ؟
هل تستحق المبالغ الضخمة التي صرفت عليها وهل سيكون هناك مردود استثماري ؟
ما هي الآثار البيئية التي ستترتب على هذا المشروع ؟
ما هي آثار المشروع الناتجة من التمويل أو التخطيط أو البناء على المدى الطويل ؟
كل هذه أسئلة تندرج تحت علم تم تجاهله بشكل كبير ولكنه بدأ يثبت نجاحه بشكل كبير ؟
يطلق على هذا العلم مصطلح ” الاستدامة ” أو Legacy
لن أطيل عليكم في الشرح لهذا المصطلح وسأذكر مباشرة أهم الأمثلة على مستوى العالم لتطبيقات هذا العلم. وليس هناك أفضل من مشاريع الألعاب الأولمبية لكي يضرب بها المثال في هذا المجال. وستكون طريقتي في هذا المقال صورية أكثر من أن تكون مقالية حيث سنشاهد صورة للمنشأة أثناء الألعاب وصورة لنفس المنشأة بعد الألعاب.
وسنقتصر المقال هنا على آخر ثلاثة مناسبات للألعاب الأولمبية :
أولاً : ألعاب الأولمبياد الصيفية – أثنيا 2004
واجهت أثنيا العديد من العقبات في التجهيزات الإنشائية للملاعب وتأخر تسليم العديد منها إلى ما قبل الألعاب بأسابيع معدودة. وقد تم التعديل على بعض التصاميم الإنشائية لكي يتم الإنتهاء من المشاريع قبل بدء الألعاب. بل يذكر أن التكبدات المالية بسبب هذه المشاريع هي أحد أسباب الأزمة المالية التي تعيشها اليونان حالياً.
ملعب كرة الطائرة الرملية أثناء الأولمبياد
بعد الأولمبياد وقد تم نقل جزء من المدرجات
منطفة الألعاب المائية أثناء الأولمبياد
بعد الأولمبياد
أحد ملاعب أولمبياد أثنيا أثناء الأولمبياد
تحول الملعب إلى منطقة حشائش
ثانياً : ألعاب الأولمبياد الصيفية – بكين 2008
الإبداع هو الوصف الأفضل لأولمبياد بكين فقد تم إخراجه بشكل رائع على جميع النواحي. ونالت المنشأت الهندسية نصيبها من الإبداع فكل منشأة تنشأ وكأنها إبداع هندسي وأخص بالذكر ملعب بكين الوطني (الملعب الرئيسي) والمكعب المائي. ولكن مشاريع بكين لم تكن بعيدة عن مشاريع أثينيا في عدم الاستدامة. بل ربما يكون مشروع ملعب بكين الوطني هو أسوء مشروع هندسي من منظور الاستدامة والعمارة الخضراء. لدرجة أن البريطانيون يظهرون نجاح مشاريعهم في أولمبياد لندن بالمقارنة بسوء مشاريع بكين.
تكلفة بناء الملعب كانت 480 مليون دولار ويكلف سنوياً 11 مليون دولار للصيانة. تم تمويل الملعب من القطاع الحكومي والخاص وقد حاولت الشركة أن تسفيد من الملعب بعد الألعاب الأولمبية بأكثر من طريقة ولكنها لم تنجح فقد تم تحويله إلى ساحة جليدية للتزلج مؤقتاً ولم تكن الفكرة مربحة. وعند دراسة إقامة مباريات كرة القدم في الملعب وجدوا أن سعر التشغيل والصيانة ليوم المبارة يفوق الدخل المتوقع من المباراة.
الطريقة الوحيدة للاستفادة منه حالياً هي بالسماح للسياح بزيارة الملعب والتجول فيه بتذكرة وقدرها 20 دولار. وهكذا تتحول أيقونة هندسية عالمية وملعب تحطمت فيه أرقام عالمية للأولمبياد إلى “متحف”.
هنا تحقيق صحفي حول الملعب بعد نهاية الأولمبياد بسنتين ويتضمن لقاء مع مسؤول يفسر لماذا ليست هناك جدوى ربحية من إقامة مباريات كرة القدم في الملعب.
المكعب المائي
هذه منشأة إبداعية آخرى من ناحية التصميم والمواد المستخدمة في الإنشاء. عاشت هذه المنشأة أجواء جميلة أثناء الأولمبياد ولكنها افتقدت لهذه الأجواء بعد الأولمبياد. ظل المكعب المائي قليل الاستخدام لفترة من الزمن بعد الأولمبياد واحتار المسؤولون في كيفية الاستفادة منه حتى ظهرت فكرة إنشاء حديقة ألعاب مائية بداخله ولاقت الفكرة استحسانا وبذلك تتحول منشأة هندسية رياضية إبداعية آخرى إلى مدينة ألعاب مائية للعوائل.
أثناء الأولمبياد
مدينة الألعاب المائية
وهنا صور لعدد من المنشأت الآخرى توضح كيف أصبحت بعد أولمبياد بكين
ملعب كرة الطائرة الرملية أثناء الأولمبياد
ملعب كرة الطائرة الرملية بعد الأولمبياد وقد أصبح مهجوراً تماماً
مضمار الدراجات الهوائية
مضمار الدراجات بعد الأولمبياد
ملعب البيسبول أثناء الأولمبياد
ملعب البيسبول بعد الأولمبياد وقد تحول إلى أرض للحشائش
وهناك مقولة صينية تطلق على مثل هذه المشاريع وخصوصاً ملعب بكين وهو “الفيل الأبيض” وتطلق هذه المقولة على الشئ الذي تملكه وهو ذو قيمة عالية جدا ولكن لا تستطيع تحمل تكالفيه المستمرة. فمثل هذه المنشأت جميلة جدا ولكن كانت مكلفة وغير مفيدة للمجتمع بعد استخدامها في الأولمبياد.
وأصبح من المهم للعديد من الدول أثناء ترشحها لإستضافة حدث رياضي أن تضم في ملفها محور الاستدامة وكيف ستستفيد من المنشأت بعد الحدث. ولذلك قامت قطر بدراسة هذا المحور بشكل جيد ولأن قطر لا تحتاج لكل المنشأت التي ستنشأ لكأس العالم بعد انتهاء الاستضافة فقد وضعت قطر في ملفها أنها ستعيد تفكيك ملعبين بعد انتهاء كأس العالم والتبرع بهم إلي دول فقيرة.
ولمن أراد الاستزادة في مثل هذه الأفكار فعليه بأولمبياد لندن والذي راعي الكثر من الجوانب المميزة لمشروعهم وكيف أن ملعب الأولمبياد ساهم في تنمية المجتمع والحي المحيط به من ناحية اقتصادية واجتماعية وتنموية. أولمبياد لندن نمودج رائع وربما نفرد له مقال آخر.
أخيراً نحتاج دائما إلى التفكير في نجاح المشاريع على المدى الطويل والنجاح لا يقاس بالاستخدام فقط ولكن بالربحية أيضاً حتى وإن كان مبنى حكومي. فملعب الجوهرة المبنى في جدة حديثاً ستكون تكاليف صيانته أعلى من جميع الملاعب الآخرى في المملكة فقد ينجح الملعب في استخدامه ولكن ماذا عن مدى الربحية منه. هل ستكون مصادر الدخل المادية للملعب كافية لإدراته أما أنه سيكون عبء آخر على الميزانية الحكومية.