الكادر الهندسي والتأهيل العلمي !!
منذ أن اشتركت في توتير وبدأت الحساب الخاص بهذه المدونة تعرفت على العديد من المهندسين في القطاع الخاص أو الحكومي من أصحاب الإهتمام الهندسي. واستفدت من الكثير منهم ومن تغريداتهم حول الهندسة والإدارة والقطاع الهندسي بالعموم.
الكادر الهندسي !!
أحد المواضيع التي أخذت حيزاً كبيراً هي الكادر الهندسي وأسباب عدم تطبيقه إلى الآن. وبحكم عملي في القطاع الخاص منذ تخرجي من الجامعة فلم أعر الموضوع كثيراً من الإهتمام ولكن كانت حدة الموضوع تزداد يوماً بعد يوم. وبدأ الموضوع يناقش بشكل أكبر في البرامج التلفزيونية وأخذ الموضوع حيزاً كبيراً من نقاشات المهندسين.
ورائعة هي كل هذه المطالبات الحثيثة لإصدار الكادر الهندسي. وحقيقة لا أرى عذراً حقيقاً لتأخر الكادر بهذا الشكل الكبير. فلا يليق أن نعطي المهندس راتباً أقلاً من مهن آخرى لم يتكبد أصحابها نفس المعاناة وصعوبة الدراسة ليحصلوا علي شهادتها.
راتب المهندس الحالي لا يليق أبداً بالمهنة. وكنت أتمنى من الوزارة على الأقل رفع رواتب المهندسين بشكل مباشر ( دون الحاجة لإكتمال دراسة الكادر الهندسي ) إلى الحد الأدنى المتوقع أن يبدأ منه الكادر الهندسي. فمثلاً لو كانت الوزارة تفكر أن أقل حد للرواتب في الكادر الهندسي (وهو لمن يملك شهادة بكالوريس هندسة فقط دون أي مؤهلات آخرى ) هو تسعة آلاف ريال فعليه أن ترفع رواتب كل المهندسين الذين رواتبهم أقل من تسعة آلاف إلى هذا الحد الأدني مباشرة الآن.
ولتأخذ الوزارة وهيئة المهندسين وقتهم في دراسة الكادر وتحليله وتدقيقه ما تشاء من الوقت. فالجميع متفق أن رواتب المهندسين الخريجين الحاليين غير مرضية وخصوصا في دولة مثل السعودية. فلماذا البقاء على الرواتب الحالية ولماذا لا ننتقل إلى الحد الأدنى المتفق عليه ومن ثم تستمر دراسة الكادر إلى الوقت الذي يشأؤون. فهؤلاء المهندسيين الخريجيين يستحقون بداية مشرقة في مهنتهم ويودون تأسيس عوائل لهم وستكون لديهم مصاريف والراتب الذي “يكفي الحاجة” أصبح يرتفع أكثر وأكثر مع كل سنة.
فليس من المعقول أن نكأفئ ذلك الطالب المجتهد في دراسته والذي تخرج من الثانوية واختار تخصصاً صعباً مثلا الهندسة واجتاز الجامعة بنجاح بأن نعطيه راتباً أقل من ذلك الطالب الذي كان صاحب تميز عادي واختار تخصص سهل وعمل في وظيفة تعطي راتبا أعلى من المهندس. ولهذه الوظائف أمثلة في أغلب القطاعات مثل القطاع التعليمي والصحي والعسكري وغيرها.
بعد هذا التأكيد على أهمية رفع الرواتب فلنتمعن في الكادر الهندسي بشكل أكبر. الوزارة تركز بشكل كبير على أن هذا الكادر هو سلم للوظائف وأيضا هو طريقة للتأهيل العلمي للمهندس. فلن يحصل مهندس على درجة وظيفية حتى يجتاز اختبارات هندسية معينة ويمتلك خبرة هندسية حقيقة. فالوزارة تود أن توضح أن رفع الرواتب لن يكون بالمجان بل ستحتاج للجهد والتميز في الهندسة لكي تنال هذه الدرجات العلمية والوظيفية.
وأنا حقيقة اتفق مع هذا التفكير المنصف والعادل والذي يكرم المجتهد والمهندس العامل بجد. ولكن السؤال الحقيقي والمهم الذي يجب أن يطرح قبل جميع هذه النقاشات الطويلة هو : هل هناك خبرة هندسية في الأجهزة الحكومية ؟؟ سؤال قد يتضايق منه العديد من المهندسين ولكن لنكن صرحاء مع أنفسنا في الجواب.
من أين تأتي الخبرة الهندسية ؟
من المعلوم أن الهندسة تصميم وتنفيذ، فلكي تكتسب خبرة هندسية خالصة فعليك بالعمل مجال التصميم الهندسي وهو لب الخبرة الهندسية أو في مجال تنفيذ المشاريع الهندسية. أما مجال إدارة المشاريع فهو مرتبط بإدارة العمل الهندسي ولكنه لا يستخدم أساسيات الهندسة فلذلك من الظلم أن نضعه كخبرة هندسية. فالمهندس الذي يمارس إدارة المشاريع منذ توظيفيه هو حقيقة يكتسب خبرة ولكنها ليست خبرة هندسية. فلا نغير مفهوم مهنة الهندسة ونضم إليها إدارة المشاريع فقط لأن كثير من المهندسين يعملون في إدارة المشاريع.
إذا كانت الخبرة تأتي من التصميم والتنفيذ وهذه الوظيفتين لا تقوم بها الوزارات إلا في نطاق ضيق جداً كمراجعة للرسومات في بعض الجهات. فمن أين للمهندس الحكومي أن يكتسب الخبرة الهندسية ؟ . البعض يلجأ للمقارنة بنجاح هيئة التخصصات الطبية والحقيقة أن هناك فرق جوهري كبير أدئ لنجاحها ولا أدرى لماذا يتم دائماً إغفاله. هذا الفرق هو أن الدولة لا تدير فقط القطاع الصحي بل تقدم خدمات صحية أيضاً بمعنى أنها تقوم بالإدارة والتنفيذ بينما الدولة تدير القطاع الهندسي فقط ولا تقدم خدمات هندسية. هذا الفرق الجوهري هو الذي جعل الأطباء يمارسون تخصصاتهم تحت أجهزة حكومية بينما المهندسون لا يستطيعون ذلك فإذا أردوا اكتساب خبرات هندسية فعليهم التوجه للعمل في القطاع الخاص.
حقيقة لا أتوقع نجاح فكرة التأهيل العلمي في الكادر الهندسي للأسباب السابقة فالمهندس الحكومي لن يجد فرصة لإكتساب أو تطبيق خبرات هندسية. فوضع الكادر سيكون مثل الحلقة المفرغة حيث أن الكادر مخصص لمهندسي الحكومة ويطالبهم بإكتساب خبرات هندسية في مكان لا يوفر هذه الخبرات. ولو افترضنا أن بعض المهندسين اجتهدوا ودرسوا للإختبارت واجتازوها فستكون المعلومات الهندسية المكتسبة من الاختبارات مجرد معلومات استخدمت لرفع درجته الوظيفية ولن يكون لها تأثير حقيقي على عمله الحكومي. في رأي الشخصي أن الفائدة الحقيقة للكادر ستكون في رفع الرواتب فقط.
رسالتي
سأختم هذا المقال برسالتي التى أود إيصالها للمهندس الحكومي والتي قد تهم المهندسين المتخرجين حديثاً وهي أيها المهندس الحكومي أو الذي يرغب بالعمل في الأجهزة الحكومية إن كنت تبحث عن خبرة هندسية حقيقية فلا تهدر وقتك في ملاحقة أخبار الكادر وتصريحاته وتصنع الآمال عليه فحتى لو أقر الكادر لن تجد الخبرة الهندسية في العمل الحكومي. المهندس الذي يرغب في إكتساب خبرة هندسية حقيقية فليس له إلا أن يتجه للقطاع الخاص.
بقاء المهندس في الجهاز الحكومي هو خسارة لوقته وماله. خسارة لوقته من حيث أنه لا يكتسب خبرة هندسية وخسارة لماله من حيث أنه يستطيع رفع دخله المالي لو أنه عمل في القطاع الخاص فقد أصبحت كثير من الشركات تعطي رواتب أعلى من الأجهزة الحكومية وذلك لجذب المهندسين السعوديين.
يبدو أن الطريق لتقدير مهنة المهندس في الأجهزة الحكومية أطول مما توقع الكثير فلا تطيل الانتظار فأنت كطاقة شابة تستحق أن تكتسب خبرة حقيقية وتبنى لك مستقبل وظيفي متميز وأيضاً أنت كرب أسرة مهندس فأنك تريد أن تعيش أسرتك في وضع مالي أفضل وخصوصاً مع تضخم الأسعار وعدم ارتفاع راتب المهندس الحكومي بشكل متماثل مع هذا التضخم.
ولك القرار …
وهنا تصويت بسيط لعله يساعد في تكوين صورة أوضح … أتمنى مشاركتك
إذا لم يظهر التصويت في متصفحك … حاول الضغط على هذا الرابط المباشر للتصويت